مزاح النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

مزاح النبي ( صل الله عليه وسلم )


على الرغم من كون النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ نبياً من الأنبياء يتلقّى الوحي من السماء غير أن المشاعر الإنسانية المختلفة تنتابه كغيره من البشر وتمر به حالات من الضحك والبكاء والفرح والحزن وتبرز قيمة العنصر الأخلاقي في حياة النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ في وضع هذه المشاعر المتباينة في إطارها الشرعي حيث صانها عن الإفراط والتفريط بل أضاف لها بُعْداً راقياً حينما ربطها بقضيّة الثواب والاحتساب فقال صل الله عليه وسلم ـ ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) رواه الترمذي وعن أبى ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي صل الله عليه وسلم -( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِق (ضاحك مستبشر)) رواه مسلم 
ولا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم ومن ثم فقد كان مزاحه صل الله عليه وسلم ـ تأليفا ومداعبة وتفاعلا مع أهله وأصحابه وإدخالا للسرور عليهم وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة والمقاصد النبيلة فصار من شمائله الحسنة وصفاته الطيبة صل الله عليه وسلم ـ قال عبيد الله بن المغيرة سمعت عبد الله بن الحارث قال (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ) رواه الترمذي 
والضحك والمزاح أمر مشروع كما دلت علي ذلك النصوص القولية والمواقف الفعلية للرسول ـ صلي الله عليه وسلم - وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلي شيء من الترويح يخفف عنها أعباء الحياة وقسوتها وهمومها وأعبائها ولا حرج فيه ما دام منضبطا بهدي النبي ـصل الله عليه وسلم ـ ولا يترتب عليه ضرر بل هو مطلوب ومرغوب لأن النفس بطبعها يعتريها السآمة والملل فلا بد من فترات راحة وليس أدل على مشروعية الضحك والمزاح والحاجة إليه مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل ـصل الله عليه وسلم ـ، فقد كان يداعب أهله ويمازح أصحابه ويضحك لضحكهم 
وقد سئل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هل كان أصحاب رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ يضحكون ؟ قال نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل 
وقال بلال بن سعد أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل لا، كانوا رهبانا 
لكن المزاح والضحك في هدي وحياة النبي ـصل الله عليه وسلم ـ مقيد بضوابط لابد وأن تُراعى منها 
ألا يقع في الكذب ليضحك الناس ولهذا قال ـصل الله عليه وسلم ـ ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له، ويل له ) رواه الترمذي 
وقد كان ـصل الله عليه وسلم ـ يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا وصدقا ومن ثم فينبغي ألا يشتمل المزاح والضحك علي تحقير لإنسان آخر أو استهزاء به وسخرية منه قال الله تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(الحجرات:11) وقال ـصل الله عليه وسلم ـ ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه مسلم 
ومن ضوابط المزاح والضحك في هدي النبي ـصل الله عليه وسلم ـ ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم قال ـصل الله عليه وسلم ـ ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) رواه أبو داود 
وأن يكون بقدر يسير معقول وفي حدود الاعتدال والتوازن الذي تقبله الفطرة السليمة ويرضاه العقل الرشيد ويتوافق مع المجتمع الإيجابي العامل ولهذا قال ـصل الله عليه وسلم ـ ( يا أبا هريرة أقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه 
فالمنهي عنه هو الإكثار فالمبالغة في المزاح والضحك يُخشي من ورائه الإلهاء عن الأعباء أو تجرؤ السفهاء أو إغضاب الأصدقاء أو الوقوع فيما حرم الله 
أما المواقف التي مزح وضحك فها النبي ـصل الله عليه وسلم ـ فهي كثيرة ومتنوعة فتجده ـصل الله عليه وسلم ـ يضحك فرحا بكرامة وفتح لأمته أو تفاعلا مع أصحابه أو مداعبة لزوجاته أو لإدخال السرور على الأطفال 

مع أمته 

عن الحسن البصري رحمه الله {أن امرأة عجوزاً أتت إلى النبي فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي أما علمت يا أم فلان أن الجنة لا يدخلها عجوز فولت وهي تبكي وتولول فقال النبي انطلقوا إليها فأخبروها أنها تعود بنتاً بكراً كما قال الله عز وجل {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً *لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:35-38] 
عند الطبراني في الأوسط والبيهقي وغيرهما وهو حديث حسن
رواه الترمذي في الشمائل وسنده عنده ضعيف
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال:( بينا رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ في بيت بعض نسائه إذ وضع رأسه فنام فضحك فى منامه فلما استيقظ قالت له امرأة من نسائه لقد ضحكت فى منامك فما أضحكك ؟ قال أعجب من ناس من أمتي يركبون هذا البحر هول العدو يجاهدون في سبيل الله فذكر لهم خيرا كثيرا ) رواه أحمد وفي رواية:( يركبون هذا البحر كالملوك على الأسِرَّة )

وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ:( إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا، فلقد رأيت رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ ضحك حتى بدت نواجذه (أضراسه) رواه مسلم 

مع أصحابه 

عن جرير ـ رضي الله عنه ـ قال:( ما حجبني رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) وفي رواية ( ما حجبني رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك ) رواه ابن ماجه 

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ ( أن رجلا أتى النبي ـصل الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله احملني قال النبي ـصل الله عليه وسلم ـ إنا حاملوك على ولد ناقة قال وما أصنع بولد الناقة ؟! فقال النبي ـصل الله عليه وسلم ـ وهل تلد الإبل إلا النوق ) رواه الترمذي 
فكان قوله ـصل الله عليه وسلم ـ مداعبة للرجل ومزاحاً معه وهو حق لا باطل فيه 
وعن عبد الله بن مغفل ـ رضي الله عنه قال:( أصبت جرابا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمته (احتضنته) فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا قال فالتفت فإذا رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ متبسما ) رواه مسلم وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال ( قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال نعم غير أني لا أقول إلا حقا ) رواه الترمذي 

مع الأطفال 

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال ( كان رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خَلَقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ـصل الله عليه وسلم ـ فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ قد قبض بقفاي من ورائي قال فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنيس أذهبت حيث أمرتك ؟ قال قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله ) رواه مسلم 
وكان ـصل الله عليه وسلم يمازح أنس ـ رضي الله عنه ـ قائلا ( يا ذا الأذنين ) رواه أبو داود 
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال ( كان النبي ـصل الله عليه وسلم أحسن ـ الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير وكان إذا جاء قال يا أبا عمير ما فعل النغير (طائر صغير) رواه البخاري

مع زوجاته -

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت ( خرجت مع النبي ـصل الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك ) رواه أحمد 
وروى أبو يعلى عن عائشة ـ رضي الله عنهما ـ قالت ( أتيت رسول الله -صل الله عليه وسلم - بخزيرة طبختها له فقلت لسودة والنبي -صل الله عليه وسلم - بيني وبينها فقلت لها كلي فأبت، فقلت لتأكلنَّ أو لألطخن وجهك فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها فضحك النبي -صل الله عليه وسلم - فوضع فخذه لها وقال لسودة الطخي وجهها فلطخت وجهي فضحك النبي -صل الله عليه وسلم أيضاً )
ودخل النبي ـصل الله عليه وسلم ـ يوما على عائشة وهي تلعب بلعب لها فقال لها ( ما هذا ؟ قالت بناتي قال ما هذا الذي في وسطهن ؟ قالت فرس قال ما هذا الذي عليه ؟ قالت جناحان قال فرس لها جناحان ؟ قالت أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود خيل لها أجنحة ؟! فضحك رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ حتى بدت نواجذه ) رواه أبو داود 

لا يوجد من هو أكثر اهتماما بالدعوة من رسول الله ـصل الله عليه وسلم ـ وليس هناك من تعددت لديه الواجبات كما تعددت لدى الحبيب ـصل الله عليه وسلم ـ فلقد كان ـصل الله عليه وسلم ـ إماما للناس ومعلما للدين وحاكما وقاضيا وقائدا للجيوش كما كان أبا رحيما وزوجا بارا وصاحبا وفيا ومع هذا كله فقد كان ـصل الله عليه وسلم ـ ضحاكًا بساماً يربي ويهذب بالابتسامة والممازحة فلضحكاته منافع ولابتساماته وممازحاته مقاصد وفوائد ولو ترك رسول الله صل الله عليه وسلم ـ طريق الابتسامة إلى العبوس لأخذ الناس أنفسهم بذلك على ما فيه من مخالفة الفطرة من المشقة والعناء قال الإمام النووي " المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله تعالى ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يفعله "

وقال رجل لسفيان بن عيينة المزاح هجنة أي مستنكر؟! فقال " بل هو سُنَّة ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه "

إرسال تعليق

يجب التعليق في إطار الإحترام والأدب لايجوز السب نهائيا أو التعدي علي اي شخص بسبب دين أو عرق أو أي شيئ يقلل من شأن الزائرين والأعضاء ...

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

أحدث أقدم

نموذج الاتصال