جُحا بين الحقيقة والأسطورة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من هو جحا .. ؟؟؟

نصر الدین جحا هي شخصية فكاهية أنتشرت في كثير من الثقافات القديمة ونسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة وجحا إسم لا ينصرف لأنه معدول من جاح مثل عمرو من عامر ويقال جحا يجحو جحواً إذا رمى ويقال حيا الله جحوتك أي وجهك وفي الأدب العربي نسب جحا إلى أبو الغصن دُجين الفزاري الذي عاصر الدولة الأموية وهو أقدم شخصيات جحا والنكات العربية تنسب له وفي الأدب التركي جحا من اسطنبول نسبت قصص جحا إلى الشيخ نصر الدين خوجه الرومي الذي عاش في قونية معاصرا الحكم المغولي لبلاد الأناضول ومعظم القصص المعروفة في الأدب العالمي تنسب له وايضاً تنسب شخصية جحا إلى أبو نواس البغدادي الذي كان المرافق الخاص لهارون الرشيد وشاعره والمرفه الشخصي له وقد عرف عن أبو نواس البغدادي فكاهته وسعة حيلته وقد اشتهرت هذا الشخصية لاحقاً بأسم جحا ببلاد مابين النهرين هى شخصية رجل فقير كان يعيش احداثه بطريقة مختلفة ويتماشه مع ذلك الأحداث الشبه حقيقية التى كان يعيشها فهو كان يتصرف بذكاء كوميدى ساخر على الأحداث التى كان يعيشها فانتشرت قصصه ومواقفه التى كان يتعامل معها في حياته اليومية وكانت تنتقل قصصه من شخص إلى آخر مما نتج عن ذلك تأليف الكثير من الأحداث الخيالية على قصصه فكل شخص كان يروى قصصه بطريقته الخاصة ومنهم حتى من نسب اعمله لشخص اخر او شخص خيالى

انتشار قصصه

كل الشعوب وكل الأمم صمّمت لها (جحا) خاصاً بها بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً ولكن شخصية (جحا) الذكي البارع الذي يدعي الحماقة وحماره لم تتغيّر وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا وملا نصر الدين في إيران وكوردستان ومن الشخصيات التي شابهت جحا بالشخصية إلا أنها لم تكن به فنذكر غابروفو بلغاريا المحبوب وأرتين أرمينيا صاحب اللسان السليط وآرو يوغسلافيا المغفل بعودة بسيطة إلى التاريخ تكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة مما يدل انها كونت شخصياتها بناء على شخصية دجين العربية الذي سبقهم بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب "نوادر جحا" (أي جحا العربي) المذكور في فهرست ابن النديم (377هـ) هي نفسها مستعملة في نوادر الأمم الأخرى ولم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية مما يدل على الأصل العربي لهذه الشخصية

جحا العربي

أقدم قصص جحا تعود للقرن الأول الهجري أي القرن السابع الميلادي وتعود لدُجين بن ثابت الفزاري وروى عنه أسلم مولى عمر بن الخطاب وهشام بن عروة وعبد الله بن المبارك وآخرون قال الشيرازي "جُحا لقب له وكان ظريفاً والذي يقال فيه مكذوب عليه" وقال الحافظ ابن عساكر أنه عاش أكثر من مائة سنه وذكر أن جُحا هو تابعي وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك وكان الغالب عليه السماحة وصفاء السريرة فلا ينبغي لأحد أن يسخر به وذكر جحا هذا في كتب الجلال السيوطي والذهبي والحافظ ابن الجوزي الذي قال ومنهم (جُحا) ويُكنى أبا الغصن وقد روي عنه ما يدل على فطنةٍ وذكاء إلا أن الغالب عليه التَّغفيل وقد قيل إنَّ بعض من كان يعاديه وضع له حكايات

من نوادر جحا العربي 

وقال الميداني "هو رجل من فزارة وكان يكنى أبا الغصن فمن حمقه أن عيسى بن موسى الهاشمي مر به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعاً فقال له مالك يا أبا الغصن قال إني قد دفنت في هذه الصحراء دراهم ولست أهتدي إلى مكانها فقال عيسى كان يجب أن تجعل عليها علامة قال قد فعلت قال ماذا قال سحابة في السماء كانت تظلها ولست أرى العلامة ومن حمقه أيضاً أنه خرج من منزله يوماً بغلس فعثر في دهليز منزله بقتيل فضجر به وجره إلى بئر منزله فألقاه فيها فنذر به أبوه فأخرجه وغيبه وخنق كبشاً حتى قتله وألقاه في البئر ثم أن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه فتلقاهم جحا فقال في دارنا رجل مقتول فانظروا أهو صاحبكم فعدلوا إلى منزله وأنزلوه في البئر فلما رأى الكبش ناداهم وقال يا هؤلاء هل كان لصاحبكم قرن فضحكوا ومروا ومن حمقه أن أبا مسلم صاحب الدولة لما ورد الكوفة قال لمن حوله أيكم يعرف جحا فيدعوه إلي فقال يقطين أنا ودعاه فلما دخل لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين فقال يا يقطين أيكما أبو مسلم

شخصيات عربية بلهاء

ومن الشخصيات العربية التي اشتهرت بحماقاتها نذكر هبنقة بن ثروان وأبي غبشان الخزاعي وعبد الله شيخ مهو وربيعة البكّاء وعجل بن لجيم وحمزة بن بيض وأبي أسيد ومزبّد وجامع الصيدلاني وأزهر الحمار وابن الجصاص

نوادر جحا

مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم جلس الشيخ نصر الدين يوماً على منصه الوعظ في أحد جوامع ((آق شهر)) وقال أيها المؤمنون هل تعلمون ما سأقوله لكم فأجابه السامعون كلا لا ندري قال إذا كنتم لا تعلمون فما الفائدة من التكلم ثم نزل وعاد في يوم آخر فألقى عليهم نفس السؤال فأجابوه هذه المرة أجل إنا نعلم فقال ما دمتم تعلمون ما سأقوله فما الفائدة من الكلام فحار الحاضرون في أمرهم واتفقوا فيما بينهم على أن تكون الإجابة في المرة القادمة متناقضة قسم يجيب لا وقسم يجيب نعم ولما أتاهم المرة الثالثة وألقى عليهم سؤاله الأول اختلفت أصواتهم بين لا ونعم فقال حسناً جداً مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم
الحمير كان جحا راكباً حماره حينما مر ببعض القوم وأراد أحدهم ان يمزح معه فقال له يا جحا لقد عرفت حمارك ولم أعرفك فقال جحا هذا طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها
حمام فوق المئذنة دخل الحمام يوماً وكان السكون فيه سائداً فأنشأ يتغنى فأعجبه صوته فحدثته نفسه بأنه لا يجوز أن يبخل بنعمة صوته البديع على إخوانه المسلمين مما أسرع ما خرج من الحمام قاصداً الجامع حيث صعد إلى المئذنة وبدأ ينشد بعض التسابيح في ساعة أذان الظهر فاستغرب الموجودون في المسجد من هذا الأمر وكان صوته خشناً مزعجاً فناداه أحدهم قائلاً ويحك يا أحمق مالك تزعج الناس بهذا الانشاد بصوتك المزعج وفي مثل هذه الساعة فأجابه من أعلى المئذنة يا أخي لو أن محسناً يتبرع لي ببناء حمام فوق هذه المئذنة لأسمعتك من حسن صوتي ما ينسيك تغريد البلابل
هاتها تسعة ولا تزعل رأى في منامه أن شخصاً أعطاه تسعة دراهم بدلاً من عشرة كان يطلبها منه فاختلفا ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعوراً فلم يرى في يده شيئاً فتكدر ولام نفسه على طمعها ولكنه عاد فاستلقى في الفراش وأنزل تحت اللحاف ومد إلى خصمه الموهوم قائلا هاتها تسعة ولا تزعل
الرأس توجه جحا مع أحد أصحابه إلى الصيد فرأيا ذئباً وطمعا في فروته فركضا وراءه إلى أن دخل في جحر فأدخل الرجل رأسه كي يعرف مكان وجوده ويمسكه فقطع الذئب رأسه وجحا واقف بجانبه أكثر من ساعة رأى أن رفيقه لا يطلع فسحبه إلى الخارج وشاهده من دون رأس فافتكر في نفسه هل كان معه رأس أم لا فعاد إلى البلد وسأل زوجة صديقه أن اليوم حين خروج زوجك معي هل كان رأسه معه أم لا
نواة البلح رأته امرأته يأكل تمراً ولا يخرج نواه فقالت ماذا تصنع كأني بك تأكل التمر بنواه فقال لها طبعا آكله بنواه لأن البائع وزنه مع النواة ولو اخرج نواه لما باعه بسبع بارات اما وقد اعطيته الثمن دراهم بيضا فهل ارمي في الزقاق شيئا اشتريته بدراهمي
الحصان والثور دعاه تيمورلنك لركوب دابته والدخول في ميدان السباق ولعب الجريد فذهب إلى الإسطبل وركب ثوراً هرماً وجاء به فلما رآه الناس ضحكوا وضجوا فسأله تيمورلنك كيف تدخل ميدان السباق بهذا الثور فأجابه جحا إنني جربت هذا الثور منذ عشر سنوات فكان يسابق الطير في ركضه فكيف يكون الآن
الحمار المخللاتي أخذ جحا يبيع مخللاً وقد ابتاع أدوات المخلل مع حمار المخللاتي فكان الحمار يعرف البيوت التي تشتري منه وكلما نادى الشيخ مخلل مخلل كان الحمار ينهق في تلك الأزقة المزدحمة ويغطي بنهيقه صوت جحا فغضب منه وذات يوم وصل إلى محلٍ مزدحم وأخذ الشيخ ينادي مخلل مخلل فسبقه الحمار إلى النهيق فالقى جحا له المقود على عاتقه وحملق بعينيه وقال أنظر يا هذا أأنت تبيع المخلل أم أنا
طول الأرض قالوا لجحا يوماً أنت عالم فنرجوا ان تحل لنا هذا السؤال قال وما هو قالوا الدنيا كم ذراع وإذا بجنازة مارة فاشار جحا إلى التابوت وقال هذا السؤال يرد عليه هذا الميت فاسألوه لأنه ذرع الأرض وسار
مذهب سأل جحا أحد جماعة تيمور لنك ما مذهبك فاجابه الرجل بعد أن وضع يده على صدره متواضعاً متذللاً الأمين تيمور كوركان فقال أحد الحاضرين اساله يا سيدي من نبيه فقال جحا لماذا أساله فإذا كان إمامه المعتقد تيمورالأعرج فبالطبع يكون نبيه جنكيز السفاك
سجود سافر جحا إلى إحدى المدن ونزل في أحد خاناتها ففي اليوم التالي قال لقيم الخان يا أخي إني اسمع طول الليل قرقعة في سقف الغرفة التي نمت فيها فياليتك تاتي بنجار ماهر ويكشف على أخشابها ليرى ما فيها فقال له القيم يا سيدي هذا البناء قوي لا يتهدم وليس ما تسمعه الا تسبيحاً بحمد الله الذي يسبح بحمده كل ما في الوجود فأجابه جحا قائلا صدقت وإنما خوفي العظيم من تسبيحه وتهليله لأني أخاف ان تدركه رقة فيسجد سجدة طويلةً على غير انتظار
ضاع الحمار بمفرده ضاع حماره فأخذ يفتش عنه ويحمد الله شاكراً فسألوه لماذا تشكر الله فقال أشكره لأني لم أكن راكباً على الحمار ولو كنت راكباً عليه لضعت معه
الخرج كان جحا ضيفاً في إحدى القرى فضاع خُرجه فقال لأهل القرية إما أن تجدوه لي وإلا فإنني أعرف ماذا أصنع وكان الفلاحون يعرفون أن جحا من أعيان البلدة حارو في أمرهم وصاروا يفتشون له عنه حتى وجدوه وردوه له فتقدم أحدهم إليه وقال له ما ذا كنت تصنع فأجابه عندي بساط قديم كنت سأجعله خُرجا
الخجل شعر جحا بوجود لص في داره ليلاً فقام إلى الخزانة واختبأ بها وبحث اللص عن شيء يسرقه فلم يجد فرأى الخزانة فقال لعل فيها شيئاً ففتحها واذا بجحا فيها فاختلج اللص ولكنه تشجع وقال ماذا تفعل هنا أيها الشيخ فقال جحا لا تؤاخذني فإني عارف بأنك لا تجد ما تسرقه ولذلك اختبأت خجلا منك
اللباس الطائر كان قميصه منشوراً على الحبل فهبت الريح وقذفته إلى الأرض فقال لنفسه يلزمنا ان نذبح فديةً وقرباناً فسألته زوجته ولماذا فقال العياذ بالله لو كنت ألبسه لتحطمت
لقب تيمورلنك سأله تيمورلنك يوماً قائلاً تعلم يا جحا إن خلفاء بني العباس كان لكل منهم لقب اختص به فمنهم الموفق بالله والمتوكل على الله والمعتصم بالله وما شابه فلو كنت انا منهم فماذا يجب أن أختار من الألقاب فأجابه على الفور يا صاحب اللاشك بأنك كنت ستدعى بلقب نعوذ بالله
اللغط والغلط ترافق قاض وتاجر في الطريق مع جحا فقال القاضي لجحا من كثر لغطه كثر غلطه فهل غلطت يوماً وأنت تعظ فقال جحا ببداهة نعم صادفت مرة أن خرج مني قاض في الجنة بل قاضيان في النار ومرة أخطأت فقلت أن التاجر بدل الفاجر لفي جحيم فأخجل الاثنين
سباق مع الصوت كان جحا يوماً يؤذن ويذهب مسرعاً فسألوه عن السبب فقال أريد أن أعرف إلى أين يصل صوتي
الحمار المتعلم دعا والي الكوفة يوما جحا إلى مجلسه وعندما جاء جحا إلى الوالي دخل ومعه حماره فقال له الوالي لقد دعوتك أنت يا جحا فقط فما دون حمارك فنظر جحا إلى الوالي وقال له هذا ما جاء بي إليك ففهم الوالي وقال له يا جحا أني أطلب منك أن تصنع لي أمراً أعطيك عليه أجراً فقال جحا أستطيع أن أعلم هذا الحمار القراءة والكتابة خلال عشرة سنوات فرد الوالي عشر سنوات فقال جحا مؤكداً نعم ايها الوالي إن تأذن لي فأعطاه الوالي أجراً مسبقا على ذلك لغرابة الأمر لديه وعندما أهم جحا بالخروج هو وحماره اقترب إليه أحد الحاشية عند الملك وقال له ويحك يا جحا أتسخر من الوالي فقد يعاقبك أن لم تفي بما قلت فرد عليه جحا ويحك أنت لقد قلت له عشرة سنوات وهذا يعني خلال هذه المدة قد يموت الوالي أو يموت جحا أو يموت حماري

حقائق غيّبها التاريخ (جُحا بين الحقيقة والأسطورة )

جُحا الإنسان الذي أضحك الملايين بنوادره الطريفة وأخباره العجيبة التي تناقلتها الألسن على مرّ العصور أصبح اليوم في ذاكرة الناس مجرّد شخصية خرافيّة إلا أنّ المعاجم وكتب التراجم والأدب ورجال الحديث تبيّن لنا أنّ جُحا شخصية حقيقيّة لها تاريخها العريق وماضيها المشرق الذي غَفِل عنه الأكثرون نتيجة ما نُسِب إليه من النوادر والطرائف التي كرّسته رمزاً للحماقة والتغفيل

فمن هو جحا؟

قبل البَدء تجدر الإشارة إلى أنّ هناك شخصيتين حملتا هذا الإسم الأوّل اختلفت المصادر بشأن اسمه فقد قيل نوح أو عبد الله أو دُجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري ولقبه (جُحا) أو (جُحى) وكنيته أبو الغصن ينتهي نسبه إلى قبيلة فزازة العربية أوّل من ذكره الجاحظ حين أَورد في كتابه "القول في البغال" نوادر بطلها جُحا دون أن يترجم له ولد جُحا في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري (60هـ) وقضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة  توفي فيها في خلافة أبي جعفر المنصور عام (160هـ) قال عنه الإمام الذهبي أبو الغصن صاحب النوادر دُجين بنُ ثابت اليربوعيُّ البصريُّ رأى دُجين أنساً وروى عن أسلم وهشام بنِ عُروة شيئاً يسيراً قال عبّاد بن صهيب حدّثنا أبو الغصن جُحا وما رأيت أعقل منه قال كاتبه لعلّه كان يمزح أيام الشبيبة فلمّا شاخ أقبل على شأنه وأخذ عنه المحدِّثون" قال الإمام البخاري "دُجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي سمع من أسلم مولى عمر روى عنه مسلم وابن المبارك" أمّا الحافظ ابن حجر العسقلاني فقد فرّق بين دُجين المحدّث(البصري) ونوح الذي استقرّ في الكوفة وأورد حديثاً رواه حُجا فقال"عن ابن عدي حدّثنا أبو خليفة حدّثنا مسلم حدّثنا الدجين بن ثابت الغصن عن أسلم مولى عمر قال قلنا لعمر مالك لا تحدّثنا عن "رسول الله صلى الله عليه وسلم"قال أخشى أن أزيد أو أنقص وإني سمعت" "رسول الله صلى الله عليه وسلم" يقول " من كذب عليّ متعمداً فليتبؤ مقعده من النار" قال عنه ابن الجوزي " رُوي عنه ما يدل على فطنة وذكاء إلا أنّ الغالب عليه التغفيل وقد قيل إنّ بعض من كان يُعاديه وضع له حكايات والله أعلم عن مكي بن ابراهيم هو مكي بن إبراهيم البلخي آخر من روى من التقات عن يزيد بن أبي عبيد عاش نيفاً وتسعين سنة مات سنة 215هـ أنّه كان يقول رأيت جحا رجلاً كيِّساً ظريفاً وهذا الذي يُقال عنه مكذوب عليه وكان له جيران مخنثون يُمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه وربّما هذا ما دفع الإمام النسائي للقول عنه ليس بثقة وابن معين للقول ليس حديثه بشيْ والدار قطني وغيره ليس بالقوي ولعلّ التجريح قد جاء ممّا نُسِب إليه من نوادر وفكاهات لا تليق براوي حديث "وليس من المستحيل أن يكون محدّث البصرة قد وقع فريسة لكيد أهل الكوفة " وقال القطب الشعراني في كتابه( المنهج المطهر للقلب والفوائد) "عبد الله جُحا تابعي كما رأيته بخط الجلال السيوطي الذي ألّف كتاباً عن جُحا جواباً لسؤال ورده مستفسراً عنه جَمع فيه القصص المنسوبة إليه سمّاه "إرشاد من نحا إلى نوادر جُحا" قال وكانت أمّه خادمة "لأم أنس بن مالك" وكان الغالب عليه صفاء السريرة فلا ينبغي لأحد أن يسْخر به إذا سَمِع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة بل يَسأل الله أن ينفعه ببركاته قال الجلال وغالب ما يُذكرعنه من الحكايات المضحكة لا أصل له قال شيخنا وذكره غير واحد ونسبوا له كرامات وعلوماً جمّة أمّا الشخصيّة الأخرى فهي نصر الدين خُوجة المعروف بجُحا الأتراك فلقد كان معلّماً وفقيهاً وقاضياً ولد في قرية صغيرة تدعى خورتوعام 605هـ وتلقّى علومه فيها ووليَ القضاء في بعض النواحي المتاخمة لها كما ولي الخطابة في (سيوري مصار) عُيّن مدرِّساً وإماماً في بعض المدن كان عفيفاً زاهداً يحْرث الأرض ويحتطب بيده كما كانت داره محطة للوافدين من الغرباء والفلاحين ولا يفوتنا أنْ نؤكّد في هذا المقام أنّ نصر الدين من كبار العلماء الأحناف وأنّ أكثر اشتغاله كان بعلم الفقه وقد أحبّه تلاميذه فأقبلواعلى مجالسه يستمعون إليه وكانوا أَكثر من 300 تلميذ وقد غلب عليه لقب المعلّم لذلك اشتهر بين أهل تركيا بالخوجة كما كان واعظاً ومرشداً يأتي بالمواعظ في قالب النوادر والنكات الظريفة التي لم تُزعزع مكانته في قلوب الناس ومن المعروف عنه أنّه كانت له جُرأة على الحكّام والأمراء والقضاة الذين كان يدعوهم إلى السير بمقتضى الشرع الحنيف ويحضّهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبفضل علمه الغزير الذي اعترف به علماء الأناضول استطاع الوقوف في وجه (تيمورلنك) والتصدي له في العديد من المواقف فأَنقذ بذلك العديد من الناس من بعض مظالمه توفي عام 683هـ وضريح الشيخ موجود في مقْبرة آق شهر الكبرى أمّا النوادر التي نُسبت إليه فيستحيل أن تصْدرعن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تُروى عنها وهي نتيجة ما وضعه الترْك وما وضعه غيرهم من عامّة الشعوب الشرقية الإسلامية وبعضه ممّا وضعه غير المسلمين من جِيران العثمانين كالأرمن خِتاماً نقول إنّه من الواجب علينا إعادة الاعتبار إلى هذه الشخصية التي أُخمط حقّها طوال القرون المنصرمة عندما أُلبست أثواب الطفيلين والحمقى إعادة الهويّة الإسلامية لجُحا من خلال التركيزعلى شخصية جُحا المسلم ورفض ما عداها من هويّات قوميّة أو وطنيّة (جُحا العربي و جُحا المصري و جحا التركي و جُحا الكردي و جُحا الفارسي) التي يحاول البعض إلصاقها به لأنّ هذا يصبّ في مصلحة أعداء الدين والدليل ما ورد على لسان وزير الكيان الصهيوني (أبا أبيان) عندما ألقى عام 1967محاضرة بجامعة (برنستون) الأمريكية قال فيها "من أوّل واجباتنا أن نُبْقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي"
توقير جُحا بصفته رجل دين وفقيه ومحدّث وإنزاله المنزلة التي تليق به لا السخرية منه لأنّ تصويره بشكل كاريكاتوري فيه انتقاص من شأنه كعالم وتغييب لدوره الإصلاحي في المجتمع من توعية الناس ومواجهة الطُغاة والحكّام
وأخيراً إنّ الألقاب الكثيرة التي أُلصقت بشخصيّة جُحا منها الأحمق والمغفّل والطفيلي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف التي تنصّ على عدم السخرية من الآخرين

 فلقد قال الله سبحانه وتعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
" يا أيّها الذين آمنوا لا يسْخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تَلْمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئْسَ الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتُبْ فأولئك هم الظالمون " سورة الحجرات الآية11
صدق الله العظيم

إرسال تعليق

يجب التعليق في إطار الإحترام والأدب لايجوز السب نهائيا أو التعدي علي اي شخص بسبب دين أو عرق أو أي شيئ يقلل من شأن الزائرين والأعضاء ...

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

أحدث أقدم

نموذج الاتصال